أرجوك يا "بوش" لا تعفو عن "المنتظر"






بقلم: محمد الشحات

حِذاءٌ ما أنفسَه!، وصحفيٌ ما أشجعَه!، ومؤتمرٌ ما أخلدَه!، ورئيسٌ ما أحقرَه!، وحارسُ مرمى- أقصد أحذية- ما أفشلَه!.

نعم.. إنه موقف الصحفي العراقي "المنتظر" الذي ألقى الحذاء على المدعو بوش في المؤتمر الصحفي والذي حاول أثناءه "المالكي" التصدي لرمية الحذاء ولكنه فشل كالعادة.

موقف أثار الشجن في النفوس
إنه الموقف الذي هزَّ المشاعر، وحرَّك الشجون، وأخرج المكنون في نفوس هذه الأمة، وأدخل عليها بهجةً وسرورًا بعدما خاصمها الفرح وصاهرها الحزن لقرون عديدة وسنين مديدة.

إن ما حدث من ردة فعل بعدما رُمي عدو الأمة "الفرعون الأكبر"، والكذاب الأشر، والنمرود الغِر بوش بالحذاء لم يتوقع أحد أن تتم بهذه السرعة وبهذا الزخم، فهذا يُنشئُ رابطًا إليكترونيًّا للُعبة تُسمَّى رمي بوش بالحذاء يدخل عليها الملايين في كل أنحاء العالم خلال ساعات، وآخر يعرض على "المنتظر" ابنته ليتزوجها، وثالث يعرض 10 ملايين دولار لشراء حذاء "المنتظر"، و.... و...، وغير ذلك مما هو آت.

إنَّ هذا الموقف وما تبعه من ردة فعل شعبية- طبعًا- أَشعر الجميع بالأمل، وأَن هذه الأمة ما زال فيها رجال، قد تمرض الأمة نعم ولكنها لن تموت، قد يبطُؤُ سيرُها ولكنها لا تتوقف أبدًا، قد تُخدَّر بفعل فاعل ولكنها سرعان ما تفيق، قد يُعوَّقُ سيرُها ولكنها تتخطى الحواجز.

من فضلك يا "بوش"
إنني أتحسر على مخاطبتك بصيغة الرجاء لأنني أعلم يقينًا أنه لا فضلَ لك بعدما ملأت الدنيا ظلمًا وجورًا، ولكن أقول "من فضلك" من باب مجاراة السفيه، ومحاورة الأبْلهِ، وإرضاء المعتوه.. أقول له لا تُفكِّر في العفو عن "المنتظر" ولا مسامحته؛ لأنه لو فعل لجمَّل صورة وجهه القبيح "أي بوش" أمام العامة والبسطاء من هذه الأمة ولأعطى أبواق المذلةِ والانكسار في الأمةِ من الإعلاميين وغيرهم الفرصة لجعل بوش ملاكًا كريمًا بدلاً من كونه شيطانًا رجيمًا، ولو فعل أيضًا لذهبت بطولة "المنتظر" مع الريح، ولقوَّله الإعلام المخادع ما لم يقُله من شكرٍ لمَن عفا عنه، وندمه على "غلطته" في حقِّ الغنم- أقصد بوش ووكلاءه المعتمدين في الشرق الأوسط-.

رجالٌ خلَّد ذكرَها المواقفُ
إن المواقف الخالدة في التاريخ لم تأتِ عبثًا، ولم تُسجَّل في صفحاتِ الخلد من فراغ، نعم مواقفُ البطولة التي حفظها التاريخ صنعتها تضحيات الرجال.. فكم من إنسانٍ في التاريخ خلَّدَتْهُ مواقِفُه وذكَرَهُ الناسُ برجولته.. فمن هو "المنتظر الزيدي" هذا قبل هذا الموقف؟.

ولقد سبق هذا الموقفَ مواقفُ عدة لرجال حققوا ما دعاهم إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من تحقيق أفضل صور الجهاد "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي)، ويأمرنا رسولنا أيضًا بألا نَحْقِر أنفسنا ونحط من شأننا فقال: "لا يَحْقِر أحدكم نفسه"، قالوا: يا رسول الله! كيف يحقر أحدنا نفسه؟ فقال: يرى أمرًا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله عزَّ وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟، فيقول: خشية الناس. فيقول : فإياي كنتَ أحق أن تخشى" (رواه أحمد وابن ماجة).

فهم ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام الذي وقف ضد الأمير إسماعيل والي دمشق، والذي تواطأ مع الصليبيين، فلمَّا وقف له الشيخ، اعتقله الأمير وأثناء ذلك عُرض على الشيخ أن يُقَبِّلَ يد الأمير مقابل الإفراج عنه فانتفض قائلاً: "ما أرضى أن يقبل السلطان يدي فضلاً عن أقَبِّل يده!!".

وفهم ذلك أيضًا هذا الشيخ في زمن الخديوي إسماعيل الذي ذهب في صحبة السلطان عبد العزيز يومًا لزيارة الجامع الأزهر فلاحظ الخديوي على أحد الشيوخ أنه غير مهتم ولا مكترث؛ حيث جلس مستندًا إلى أحد أعمدة المسجد مادٍّا رجليه، فحاول الخديوي تجنيب السلطان رؤية المنظر ثم أرسل المال للشيخ ليختبره، فاشمأز الشيخ، وقال لمَن جاءه: "قل لمَن أرسلك إنَّ مَن يمد رجله لا يمد يده".

ولِمَ نذهب بعيدًا، وهذه مقولة الأستاذ عمر التلمساني للسادات: "إني أشكوك إلى الله"، وهذا هو موقف الشهيد سيد قطب الذي حُكِمَ عليه بالإعدام وقد عُرِضَ عليه العفو مقابل كتابة اعتذار فقال "إن إصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة لترفض أن تكتب حرفا تقر به حكم طاغية".

فهل من منتظر جديد؟
أعلم أن نفوسًا كثيرةً تمنت أن تكون هي "المنتظر" لتنال حتى شرف المحاولة، ولكن ماذا بعد هذا؟!! هل لا يعدوا الأمر عندنا إلا مجرد إعجاب بالمواقف وإشادة بالرجولة، وفي النهاية نرفع شعار "قلوبنا معكم".. حقيقةً إننا في حاجةٍ لأن نُترجم مشاعرنا وعواطفنا وأمانينا إلى أفعال، فالأماني وحدها لا تُحْدِثُ تغييرًا ولا تُحَقِّقُ هدفا.

إن الله عاب على نفر من قوم موسى حين قالوا له: ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: من الآية 24)؛ ولذلك جاء الأصحاب الأبرار في غزوة بدر فقالوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ‏"‏يا رسول الله، إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون‏"‏‏.

الشاهد هنا ليس الدعوة لقتال أحد، ولكنها الدعوة لأن يتحمَّل الجميع مسئولياتهم في العمل لتغيير هذا الواقع المرير والذليل الذي تعيشه أمتنا، ولا نريد أن يكون حالنا هو حال مَن اعتادت نفوسهم الذل والمهانة والعبودية كالمريض الذي لا يحب العافية، لا نريد أن يحمل الهم فقط، ويدفع الثمن غاليًا، نيابةً عن الأمة جمعاء، شباب ورجال هذه الدعوة المباركة الذين كانوا وما زالوا يحققون ما قاله الشاعر:



أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم والناس تزعم نصر الدين مجانًا
أعطوا ضريبتهم صبرًا على محن صاغت بلالاً وعمارًا وسلمانا
عاشوا على الحب أفواهًا وأفئدةً باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته والناس تعرفهم للخير أعوانا
والليل يعرفهم عُبَّاد هجعته والحرب تعرفهم في الروع فرسانا

نريد أن يقوم الناس جميعًا والشباب خصوصًا بدورهم ويتحملون مسئولياتهم، ليس في مواجهة بوش فحسب بل أيضًا ووكلائه المعتمدين في عالمنا العربي، وكل الطغاة الظالمين الذين أذلوا البلاد والعباد، قال رسول الله "إذا رأيتَ أمِّتي تهاب الظالم أن تقول له إنك أنت ظالم فقد تَوَدَّع منهم" (رواه أحمد والحاكم)، فالحرية لا تُوهب ولكنها تُنتزع، وإن لم نفعل نحن أصحاب الحاجة والمصلحة فمَن!!!
فمَن المنتظر الجديد؟!.